القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
محاضرة في جامع حطين
6300 مشاهدة
وإن من أمة إلا خلا فيها نذير

السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
بسم اللَّه الرحمن الرحيم.
الحمد لِلَّه رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فإن اللَّه تعالى أرسل رسله مبشرين ومنذرين وأمرهم بأن يدعو الناس إلى اللَّه تعالى، وبأن يخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، وبأن يعرفوهم بما خلقوا له، ثم إن رسل اللَّه بلغوا ما أوحي إليهم وقاموا بأداء الرسالة ونصحوا لأممهم ، فمن الأمم من هدى اللَّه وقبلوا هذه الرسالة ، ومنهم من حقت عليه الضلالة ، اتفقت دعوة الرسل على البداءة بتوحيد اللَّه تعالى التعريف باللَّه وأنه الإله الحق وأنه الذي يجب أن تكون الألوهية له، والعبادة له وحده، وأن كل مألوه سواه فإن إلاهيته باطلة ، بدءوا كلهم دعوتهم بالأمر بإتخاذ اللَّه تعالى إلها والأمر بعبادة اللَّه.
ففي هذه الأمسية نذكر أولا بعض الأدلة التي تدل على دعوة الرسل وعلى أهميتها ، ثم نذكر وظيفتهم وما قاموا به ، ثم نذكر إتباعهم وواجب من اتبعهم وأتى بعدهم ، فإذا عرفنا ذلك كله عرفنا بذلك كيف نكون متبعين لرسل اللَّه من أولهم إلى آخرهم ، فنقول قال اللَّه تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ الرسول: هو الذي يبعث إلى قومه أو إلى أهل بلد ليبشرهم ولينذرهم وليدعوهم وليعلمهم ما يجهلونه وليحذرهم من عذاب اللَّه تعالى ونقمته .
وقد أخبر اللَّه تعالى بأنه أرسل الرسل في الأمم السابقة، فقال تعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ما من أمة إلا وقد أنذروا ، أنذرهم المنذرون وجاءتهم الرسل وبينت لهم ، وكذلك أخبر اللَّه تعالى باعتراف الأمم في قوله تعالى: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا اعترفوا بأنهم جاءتهم النذر الرسل أو النذر الذين ينذرونهم فكذبوا رسلهم والنذر الذين أرسلوا إليهم ، واعتقدوا أنهم بشر ويقولون كيف يرسل إلينا من هم مثلنا قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ .
أخبر تعالى بأنهم اعترفوا بأنهم جاءتهم الرسل ، وكذلك قال تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يعني يذكرونهم بأنه قد جاءهم رسل منهم أي من جنسهم ينذرونهم ويحذرونهم لقاء هذا اليوم، فاعترفوا وقالوا بلى فيدل هذا على أن اللَّه تعالى أرسل في كل أمة رسولا كما في قول الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فأولهم يعني الذين أرسلوا إلى أممهم بعد وقوع الكفر والشرك .